18:55
2018-08-29
عكس التيار – خاص
يحصل أن ترى عدوك وجهاً لوجه الأمر يتكرر يومياً في ميادين المقاومة في فلسطين، لربما في اشتباك مسلح أو عملية دهس أو رشقٍ بالحجارة أو حتى على الحواجز المهينة، لكن أن تعيش معه في غرفة "هادئة" فهذا يحدث فقط في مخيمات التطبيع التي تجريها مؤسسة "إجازة من الحرب" في ألمانيا بتنسيق "فلسطيني إسرائيلي" من خلال مشروع "كسر الحواجز" ويصر الفلسطينيون المساهمون في المشروع على مواصلة إقامة هذه المخيمات منذ عام 2002م إلى صيف 2018م والقادم أدهى وأمر.
تُودع الشابة فدوى ضريح والدها قبل أن تسافر إلى المكان الذي "حُرق فيه عائلات كاملة" كما تقول زميلتها "لوا".
حملت فدوى حقائبها مُتوجهة من الضفة الغربية المحتلة إلى ألمانيا، حيث تُشارك في مدينة "كولونيا غرب ألمانيا" غرفتها مع "لوا" قبل أن يأتي الصباح التالي لتتناول إفطارها من صحنها المشترك وتُحَاورها في المخيم المشترك الذي يجمعهما، تسترجع فدوى الفلسطينية حادثة استشهاد والدها في الانتفاضة الثانية، تتحدث عنه ويمر الأمر سريعاً رغم المناقشات الحادة على مدى أيام تَصِل إلى معانقة "لوا" الشابة الإسرائيلية التي تحمل جنسية الكيان الذي قَتَل والدها.
هنا في هذه الغرفة الضيّقة يعيش شُبان فلسطينيون أسبوعان مع شبان إسرائيليين، يبدو الأمر بسيطاً إلى الحد الذي لم يشكل مانعاً لبعض أبناء الشهداء على مدار السنوات الماضية من الذهاب إلى هذه المخيمات التي يُجمِعُ أهل البلد على تسميتها "مخيمات تطبيع" أو "عمالة". ومَعقِل التطبيع الألماني بدأ عام 2002م بمدارة فلسطينية بامتياز، فقد أسس جمعية رؤيا الفلسطينية -مرخصة من رام الله وتعمل بالقدس والضفة- رامي ناصر الدين، مبادرة سماها "كسر الحواجز" (Breaking Barriers) بتمويل من مؤسسة "إجازة من حرب" (Vacation from war) وهي مؤسسة ألمانية تُمَوّل برامج عدة تحت عنوان "التعايش في مناطق الحروب".
نجح المشرفون على هذا المشروع من تطويع الشباب الفلسطيني وغسل أدمغتهم لِنبذِ المقاومة وتقبل الاحتلال كصاحب السيادة والأرض. بدأ العمل على الصراع الفلسطيني الإسرائيلي مُنذ2002م في ظل احتدام الانتفاضة الثانية شكّل "إجازة من الحرب" فريق "كسر الحواجز" المتمثل بناصر الدين من الجانب الفلسطيني وكريرن عساف من الجانب الإسرائيلي، وجاءت بعدها موران تشين، وهي أيضاً صديقة لناصر الدين، هذا الفريق دعا لأول مرة شباباً من إسرائيل وفلسطين لحلقات نقاش في ألمانيا ومنذ ذلك الوقت بدأ عقد اللقاءات السنوية بالإضافة إلى اللقاءات النسوية الإضافية وقد شارك ما يزيد عن 2000 شاب وشابة من كلا الطرفين.
يذهب الشباب الفلسطيني بكامل إرادته وخاصة أنه تبين علم المشاركين من كلا الطرفين مسبقاً بتفاصيل اللقاءات، إذ يجري تجهيزهم بأربع أو خمس جلسات تحضيرية في رام الله وفي تل ابيب ويتم تعريفهم على مشروع كسر الحواجز والنشاطات التي ستقام وبرنامجه.
ويركز "إجازة من حرب" على جيل "أوسلو" الذي عايش الأمل على حل الدولتين وتتراوح أعمارهم بين 20إلى 30 عام وأحيانا تستهدف فئة الأطفال، وتدحرج مراحل المشروع من إحماء وكسر الجليد إلى الشجار وصولاً في النهاية الى اتخاذ القرار وإنهاء الحرب والعنف، ويركز المشروع على أشخاص لا يملكون الكثير من الثقافة التاريخية فتُستَغل هذه الثغرة لترسيخ وقائع تاريخية التي تريدها الإدارة، الأمر الذي يجعل المشاركين هم الحلقة الأضعف والمُتقبِّلة لأي نتيجة.
ببساطة المشروع يُدرَس بعناية فواحدة من أهم النقاط التي يجري العمل عليها اقناعهم بفكر "السلام" من خلال تنقلهم إلى أوروبا وعبورهم الحدود الداخلية دون تفتيش أو حواجز أمنية، رغم كل ما عاشته القارة العجوز من حروب؛ وذلك لإيصال الفكرة وترسيخها طوال أيام النشاط.
أهم المعلومات وتطويع الأفكار تُسرَّب في أوقات الغداء والغناء أو السهر طبقاً لتقنيات تدريبية، وبذلك يحققون هدفهم من اللقاء بطريقة انسيابية.
وفي هذا الصيف سيعقد لقاء يضم 58 امرأة فلسطينية وإسرائيلية تنظمه النساء أنفسهن، وذلك بالتعاون مع منظمة جديدة امتنعت عن الكشف عن اسمها؛ كي لا تسبب لها الضرر وسيتغيب عنها أعضاء عملوا في السنوات الماضية وأوصَت مُنسق المشروع السابق (رامي ناصر الدين) بالابتعاد عن الأضواء بعد تنسيقه العلني من2002م إلى 2010م.
وقد صدر بيان من "اللجنة الوطنية الفلسطينية" تدعو لمقاطعة إسرائيل في فلسطين (BDS Palestine)، في تشرين الأول 2017م طالبت فيه منظمي "كسر الحواجز" والمشاركين فيه من الفلسطينيين بالانسحاب الفوري منه والتوقف عن الأنشطة التطبيعية محذرة من نشر أسماء القائمين عن المشروع حال لم يتوقفوا.
لكن على الأرض يظهر إصرار المنسقين على العمل في هذا المشروع حتى بعد علمهم أن وجودهم شرعنة للاحتلال، فقد تمدد المشروع ولم يكتفي بنشاطات التعايش في ألمانيا، بل نقلها إلى فلسطين، بينما تورط ناصر الدين في التنسيق لغاية 2016م تبين أن جمعيتين فلسطينيتين أخريين دخلتا على الخط هما "أيدي جيل المستقبل" و"المرأة الفلسطينية الألمانية.
تلقى ناصر الدين جائزة "دير جبل صهيون" عام 2003م بالاشتراك مع كيرين عساف على مشروعهما "كسر الحواجز" وهي جائزة تعزز التواصل الديني بين اليهود والمسيحيين والمسلمين وتعمل في سبيل المصالحة والسلام.
ووفق تقرير 2017م الصادر عن "إجازة من الحرب" التي تمنع عن ذكر أي منظمة مساهمة أو منسق للمشروع خوفاً من الملاحقة من " المجتمع الفلسطيني وحملات المقاطعة" ظهر أن هاتين الجمعيتين تتلقيا تمويلاً من "إجازة من الحرب" لتنفيذ نشاطاتهما في فلسطين.
تطل مؤسسة رؤية الفلسطينية لتقدم نفسها على أنها حاجة ملحة لمجموعة من الشباب الفلسطيني من إيجاد مساحة حقيقية للتعبير عن أنفسهم ويترأسها رامي ناصر الدين، وهي نفس الديدن هدفها تطبيعي وتوهم رؤية أن المشاركة بالخيميات التطبيعية هي "وطنية ودفاع عن القضية الفلسطينية وابرازها للخارج،"، لكن تَخلُص إلى معلومات يُراد تثبيتها في عقول المشاركين وهي وجوب تبادل مشاعر الحب مع الإسرائيلي وهي النظرية التي تدعمها رؤية.
رغم حث الشباب المشاركين الذي يدفعهم الحماس لطرح عدالة القضية الفلسطينية إلا أن الكثير يصطدم بالحقيقة ويرفض العودة مجدداً لهذه المخيمات بعد كشفه عن هدفها الحقيقي التطبيعي.
وهي لا تكتفي بالمخيمات واللقاءات بل تنشئ برامج حول القرى المهجرة وبرامج للمسرح وورشات تدريبية في الكثير من الميادين.
وأخيراً لماذا هذا التعامي من قبل السلطة الفلسطينية على هذه التحركات التطبيعية وغض الطرف عنها!!
هذا ما يثير الريبة ويضع ألف علامة تعجب...